على الرغم من أننا قد لا ندرك ذلك في حياتنا اليومية، إلا أن التأثير الفكري لسيغموند فرويد على حياتنا كبير جدًا. إن العديد من المعارف والآراء التي نقبلها الآن كالمعتاد مستمدة من أفكار فرويد التي كانت تعتبر "مثيرة للجدل" في ذلك الوقت. في أيامنا هذه، لم نعد نناقش حتى ما إذا كانت التجارب التي يمر بها في مرحلة الطفولة يمكن أن تؤثر على الفرد طوال حياته. في الواقع، يحوم الآباء اليوم في سماء المنطقة مثل طائرات الهليكوبتر لحماية أطفالهم من أي صدمة محتملة ومحاولة حماية أطفالهم من المشاكل المحتملة في المستقبل. كثير من الناس ينظرون إلى تجاربهم السابقة لفهم وضعهم الحالي والبحث عن مصدر المشكلة هناك.
وبالطبع يمكن الإكثار من مثل هذه الأمثلة الإيجابية والسلبية. ومع ذلك، هناك شيء لفت انتباهي في الآونة الأخيرة. الأشخاص الذين يستشيرونني، سواء للعلاج أو لطرح الأسئلة، يركزون كثيرًا على تجاربهم السابقة بدلاً من اللحظة والوضع الحالي، والذي نحدده بـ "هنا والآن". حتى أن الكثيرين يزعمون أنهم وجدوا مصدر مشكلتهم الحالية. وبما أنهم وجدوا النقطة الرئيسية لمشكلتهم، فإنهم يريدون العمل على هذا الموقف وتجربة الراحة النفسية من خلال حله. بالطبع، كطبيب نفساني، لا أتجاهل أبدًا تأثير تجارب الطفولة. ظروفنا لها تأثير لا يصدق على هويتنا. ليس فقط تجاربنا؛ حتى الجغرافيا والأسرة والثقافة والحي والدين والبيئة السياسية التي نولد فيها فعالة للغاية في تشكيل شخصيتنا. لأنه كأطفال، لا يمكننا تحدي حجج الكبار على المستوى الفكري، ونحن عمومًا نأخذ ما يُعطى لنا دون ترشيحه من خلال مرشح الشك. إذا عاملنا شخص ما كما لو كنا عديمي القيمة، فيمكننا ببساطة أن نستنتج أننا كذلك بالفعل. ومن خلال فحص سلوك أمهاتنا وأبنا تجاه بعضنا البعض، يمكننا التوصل إلى استنتاجات حول أدوار كل من الرجل والمرأة وكيف يجب أن تكون العلاقة. ونتيجة لهذه الاستدلالات قد نواجه العديد من المشاكل في علاقاتنا الحالية، ونحن نعزو مصدر ذلك بشكل صحيح إلى تجاربنا السابقة.
نعم، كل هذه الأمور صحيحة. ومع ذلك، فإننا نفتقد نقطة مهمة هنا. أي أننا نعيش هنا والآن. وبطبيعة الحال، الحديث عن التجارب الماضية ليس هو مصدر المشكلة. إن العثور على الشبكة سيوفر لنا معلومات قيمة، ولكن من أجل التغيير والتقدم، لا يكفي مجرد تحديد مصدر المشكلة، بل من الضروري القضاء على آثارها. ربما لا نستطيع تغيير الماضي، لكن يمكننا تفسيره بشكل مختلف. ربما ستبقى تجاربنا كما هي، لكن كبالغين، يمكننا إعادة كتابة القصة. ولكن الأهم من ذلك، أننا إذا اتخذنا خطوات لتغيير الأمور الآن، بغض النظر عن الماضي، فربما نتمكن من القضاء على مشاكلنا دون لمس الماضي. إن تغيير سلوكياتنا المختلة الحالية يمكن أن يزيل على الفور آثار الماضي.
الأمر الخطير في التركيز على الماضي هو أنه يسلب قوة التغيير منا ويعطيها للعوامل والظروف الخارجية. بمعنى آخر، إذا نظرنا إلى الإنسان ونفسيته كورقة عاجزة تتأثر بالظروف البيئية وتتطاير من مكان إلى آخر، فيمكننا أن نستنتج أن تجارب الماضي لها تأثير دائم وغير قابل للتغيير علينا. على سبيل المثال، بعض الجمل التي أسمعها كثيرًا هي: "بالله عليكم كيف يمكن لشخص يمر بهذه الأمور أن يذهب ويقيم علاقة؟"، "من يحب شخصًا أهله لا يحبونك؟"، " حتى والدي لم يقل لي أبدًا أنني أحبك، فلماذا يقول ذلك شخص آخر؟" مثل هذه الأفكار يمكن أن تصيبنا بالشلل. لأنه يجعلنا ننظر إلى شخصيتنا على أنها بنية ثابتة وغير متغيرة. ومع ذلك، فإن الشخصية هي بنية متغيرة ومائعة ومستقرة نسبيًا فقط. إن نظرتنا للحياة وفلسفتنا الفردية وسلوكياتنا تخلق تغييرات في شخصيتنا في كل ساعة وكل لحظة من كل يوم.
ولهذا السبب فإن للماضي تأثير مطلق لا يتزعزع على نفسية الإنسان ولا يتغير. مثل الوحش الذي لا يبتسم إلا في وجوه القليل من المحظوظين، عليك أن تنظر إليه على أنه مغامرة حياة يمكنك تغيير آثارها مع وضعك الحالي. عندها سترى أنه يمكن كسر قواعدك السابقة، ويمكن أن يتغير سلوكك، وأن صعوبات السنوات الأولى من حياتك لا يجب أن تلاحقك باستمرار مثل الشبح.
نحن لا نخلق فقط من الأحداث التي تحدث لنا وليست تحت سيطرتنا، بل نحن من نقرر من نحن ومن سنكون. طالما أننا نستطيع تحليل الظروف جيدًا واتخاذ الخطوات الصحيحة.
قراءة: 0